'بالتعاون والعمل الجماعي يمكننا رسم مسار جديد للمرأة في الأردن'
أكدت الرئيسة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، نهى محرز، على أنه رغم الإنجازات، لا تزال هناك تحديات قائمة مثل العنف ضد النساء والفجوات في التطبيق، إضافة إلى قضايا تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية.
مالفا محمد
مركز الاخبار ـ حققت المرأة الأردنية تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة على مستوى الحقوق والمشاركة المجتمعية والسياسية، وعلى الرغم من التحديات لا تزال الجهود مستمرة لتعزيز مكانتها ودعم استقلاليتها في مختلف المجالات، والعمل الجماعي يشكّل أساساً لبناء مستقبل أفضل للمرأة، كما أنه يضمن تحقيق العدالة والمساواة.
لاستعراض أهم التعديلات التي أُجريت على القوانين لصالح المرأة الأردنية وتأثيرها المباشر على تحسين مكانتها في المجتمع، وتحليل التحديات التي تواجه تطبيق القوانين وكيف يمكن سد هذه الفجوات لضمان فعالية التشريعات وتسليط الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز حقوق المرأة وتمكينها ومعرفة تأثير الثقافة المجتمعية السلبية على مكانة المرأة، كان لوكالتنا مع الرئيسة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني نهى محرز، الحوار التالي:
كيف ترين وضع المرأة الأردنية اليوم مقارنةً بالسنوات السابقة؟ وهل هناك تقدم في نيل حقوقهن أم لا زلن تراوحن مكانهن؟
لا يمكننا إنكار التقدم الملحوظ الذي حققته المرأة الأردنية مقارنة بالسنوات السابقة، فقد شهدت القوانين تطورات إيجابية، وازداد انخراط المرأة في المجال السياسي بشكل ملحوظ، مع مشاركة أكبر في الأحزاب، ومجلس النواب، ومجلس الأعيان، والمناصب القيادية وصنع القرار، إلى جانب ذلك، هناك دعم متزايد لمشاركة المرأة الاقتصادية، وتقليص فجوة التمييز في الأجور، وتعديلات تشريعية، مثل حماية النساء من التحرش من خلال تعديلات قانون العمل، وتحسين قانون الأحزاب.
ومن الإنجازات البارزة إلغاء المادة 308 بفضل الحملات التي قادتها منظمات المجتمع المدني والتحالفات. كانت هذه المادة تجبر الفتاة التي تعرضت للاغتصاب على الزواج من مغتصبها، وهو ما اعتُبر ظلماً كبيراً بحقها، خصوصاً إذا كانت قاصراً. أما الآن، فالفتاة لم تعد مجبرة على هذا الزواج، وأصبح المغتصب يُعاقب قانونياً.
لكن رغم هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات قائمة في المنظومة بشكل عام، فالعنف ضد النساء لا يزال يحدث، رغم وجود منظومة قانونية معدلة تشجع النساء على التبليغ، مع استمرار فجوات في التطبيق، إضافة إلى ذلك، توجد قضايا أخرى تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، مثل ضرورة موافقة الزوج على سفر زوجته، خاصة في حالات الخصام، وقضايا النفقة، والطلاق التعسفي، والوصية الواجب، ومن الإشكاليات أيضاً عدم تمكين أبناء المرأة المتوفاة من وراثة جدهم، في حين يُسمح لأبناء الرجل بذلك.
أما في قانون الأحزاب، فرغم التعديلات الإيجابية، ظهرت ممارسات غير عادلة مثل وضع أسماء النساء في نهاية القوائم الانتخابية، مما اعتُبر تلاعباً يقلل من فرصهن الحقيقية.
هل تعتقدين أن التشريعات الحالية كافية لدعم حقوق المرأة؟ وكيف ساهمت جمعية تضامن النساء الأردني في تعديل التشريعات لصالح المرأة؟
رغم وجود تشريعات وتعديلات قانونية لصالح النساء في الأردن، إلا أن هذه الجهود لا تزال غير كافية لمواجهة التحديات المستمرة، فعلى سبيل المثال، في قانون الحماية، هناك فجوات في التطبيق رغم ارتفاع نسبة التبليغات، ومع ذلك، تستمر جرائم القتل بحق النساء ضمن العنف الأسري، حيث يُقدر عدد الضحايا بين 23 إلى 28 امرأة سنوياً.
أما في قانون العمل، تواجه النساء تحديات كبيرة، مثل الأسئلة التمييزية أثناء التقدم للوظائف، كالسؤال عن حالتها الزوجية أو خططها المستقبلية للزواج أو الحمل، مما يحد من فرصهن في الحصول على العمل.
بالنسبة جمعية تضامن النساء فهي تُعد واحدة من أبرز المؤسسات غير الربحية في الأردن، وقد تأسست قبل 29 عاماً على يد مجموعة من النسويات الرياديات والمحاميات والأكاديميات، تهدف الجمعية إلى تقديم خدمات شاملة للنساء الأردنيات، تشمل الإرشاد الاجتماعي والنفسي والقانوني، بالإضافة إلى التوعية والتثقيف وبناء قدرات المؤسسات المجتمعية، كما تعمل الجمعية على بناء التحالفات لتعديل التشريعات، ورفع قضايا مجانية لصالح النساء الفقيرات لمساعدتهن في الوصول إلى العدالة، وفي حال عدم القدرة على تقديم المساعدة مباشرة، تقوم الجمعية بتشبيك النساء مع منظمات أخرى معنية بتقديم الدعم.
إلى جانب ذلك، تبذل الجمعية جهوداً مستمرة لكسب التأييد المجتمعي والبرلماني، من خلال لقاءات دورية مع البرلمانيين لتسليط الضوء على القضايا التي تخص النساء وتنتهك حقوقهن.
الدستور الأردني ينص على المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ولكن التحديات الثقافية والاجتماعية لا تزال تؤثر على تحقيق هذه المساواة بشكل كامل... كيف يمكن تجاوز العقبات الثقافية والاجتماعية لتحقيق المساواة بين الجنسين على أرض الواقع؟
للنساء دور كبير في التغلب على هذه العقبات، ويبدأ ذلك بتعزيز ثقتهن بأنفسهن وترسيخ أدوارهن في الحياة الاجتماعية والسياسية، يمكنهن المشاركة بفعالية في مؤسسات المجتمع المدني وحضور برامج التوعية لتعزيز الوعي بحقوقهن ومكانتهن، ورغم تحقيقهن مستويات عالية من التعليم، إلا أن العديد منهن يحجمن عن الانخراط في مواقع صنع القرار.
من الضروري أن تدرك المرأة أهمية دورها في بناء مجتمعها، كما تعي أهمية دورها في بناء أسرتها ومنزلها، فهي تمثل نصف المجتمع، إلى جانب ذلك، ينبغي العمل على الوصول إلى النساء في المناطق النائية والجامعات والنوادي الثقافية، لتعزيز مشاركتهن، ويُعد استهداف شخصيات نسائية رائدة لتكون مصدر إلهام وتحفيز للنساء خطوة ضرورية، لتمكينهن من المشاركة العامة بوعي ومعرفة وخبرة، خاصة في مواقع صنع القرار.
تعتبر الناشطات والنسويات أن عام 2024 شكل علامة فارقة في مسيرة تمكين المرأة الأردنية، حيث شهدت البلاد تمثيلاً للمرأة داخل مجلس النواب بنسبة 19.6% وهو الأعلى في تاريخ البرلمان الأردني... برأيك ما العوامل التي ساهمت في وصول 27 امرأة إلى مجلس النواب؟ وهل هذه النسبة هي التي تطمح لها النساء؟
27 امرأة دخلوا ضمن القوائم العامة والمحلية، وكان ذلك نتيجة تعديل القانون والكوتا النسائية، ولكن كان من اللافت أن عدد النساء اللواتي فزن في القوائم المفتوحة ليس بكثير، هذا الوصول للمرأة إلى مجلس النواب كان بتحدي وجهود وتدريب وتوعية، فالنساء اللواتي وصلن إلى البرلمان عليهن أن يملكن القدرة والكفاءة للمنافسة.
تُعتبر هذه النسبة مرتفعة مقارنة بالماضي، حيث لم يسبق أن وصلت المرأة إلى هذا العدد، ويعود هذا الإنجاز إلى نسبة تقديم الأحزاب لقوائم مرشحيها، رغم وجود تحديات كبيرة، أبرزها غياب صندوق لدعم مشاركة النساء سياسياً، وهو مطلب أساسي لتعزيز دور المرأة في الحياة السياسية.
ورغم أن وصول 27 امرأة إلى البرلمان يُعد إنجازاً جيداً، إلا أننا لاحظنا الاختلاف في التوجهات بين الفائزات والمتقدمات، فمعظمهن ينتمين إلى أحزاب محافظة، مثل جبهة العمل الإسلامي، وهذا يثير الحاجة إلى تنوع أكبر في التوجهات السياسية، حيث إن هذه المجموعة المحافظة قد لا تؤمن بالمساواة التامة، ولا تدعم حرية المرأة وحقوقها الإنسانية بشكل كامل، أي أننا نقف أمام تحدي يتطلب العمل على تجاوزه لتحقيق تمثيل أكثر شمولية وتنوعاً.
هل كان للمرأة دور في التعديل على القوانين؟
لعبت النساء ضمن مؤسسات المجتمع المدني، دوراً كبيراً في دعم المرأة وتعزيز مشاركتها، إلى جانب منظمة التحديث السياسي التي تأسست بأمر ملكي بهدف إشراك المرأة في عملية التحديث السياسي، وقد شهدت هذه المؤسسات نسبة عالية من النشاطات التي قادتها حقوقيات وقانونيات، مما ساهم في بناء منظومة تستند إلى توصيات واضحة.
رغم أن القانون الجديد لا يزال قيد التجربة، إلا أن أول انتخابات أُجريت وفقاً له كشفت عن بعض الفجوات البسيطة التي يمكن تعديلها لاحقاً، كان من الضروري خوض هذه التجربة للاستفادة منها وتطوير التشريعات بناءً على النتائج والملاحظات.
عقد مجلس النواب مؤخراً جلسة تشريعية لمناقشة قرار اللجنة المشتركة والمتضمن مشروع قانون اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة لسنة 2024... ما أهمية هذا المشروع للمرأة وكيف يمكن أن يسهم في حماية حقوقها وتعزيز مكانتها؟
اللجنة الوطنية لشؤون المرأة تُعتبر المظلة التنسيقية الأساسية لشؤون المرأة في الأردن، تعمل على جمع مؤسسات المجتمع المدني لإشراكها في اتخاذ القرارات الوطنية المتعلقة بالمرأة، تأسست اللجنة بقرار إداري عام 1992، إلا أن هذا القرار يواجه خطر التغيير مع تبدل الوزراء أو الحكومات أو توجهاتها، مما قد يؤدي إلى فقدان اللجنة موقعها وتأثيرها.
لذلك، من الضروري وجود قانون يُثبت عمل اللجنة الوطنية لشؤون المرأة ويعزز استدامتها، بما يضمن استمرار دورها الحيوي، على مدى سنوات طويلة، لعبت اللجنة دوراً هاماً في دعم قضايا المرأة، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني واللجان التنسيقية، وقد ساهمت في مناقشة القضايا ذات الأولوية، إلى جانب دعوتها لمعالجة التحديات التي تواجه النساء.
ومع ذلك، يجب أن يكون دور اللجنة أكثر قوة واستقلالية، تحتاج إلى استقلال مالي وإداري، إضافة إلى استقلالية قراراتها، حيث إن القرارات السابقة كانت تتطلب موافقة مجلس الوزراء لإكسابها الصفة الرسمية، كما أن تعزيز استقلالية اللجنة سيمنحها القدرة على مواصلة دورها بفعالية أكبر لدعم حقوق المرأة وحمايتها.
ما رؤيتك لمستقبل المرأة الأردنية؟ وما النصائح التي تقدمينها للشابات لتجاوز العقبات وتحقيق تقدم أكبر؟
علينا أن نتحلى بالطموح، ونؤمن بأن الأمور ستتجه نحو الأفضل على كافة المستويات، خاصة بعد التعديلات التي أُجريت على القوانين. نسعى جاهدين لسد الفجوات الموجودة، خاصة الفجوات في التطبيق، من خلال تنظيم الحملات وبناء التحالفات، وتنفيذ برامج توعية وتثقيف تساعد النساء على فهم حقوقهن، وتشجعهن على الانخراط في المجالات المختلفة، ليدافعن عن حقوقهن بفاعلية أكبر، ويتبنّين القضايا التي تخصهن بشكل أوسع.
كما نعمل على مواجهة التحديات التي تعيق استقلالية المرأة، مع تعزيز دورها في المجالات الاقتصادية والسياسية، نسعى أيضاً لتغيير الثقافة المجتمعية السلبية التي ترسخ مفاهيم دونية المرأة، خاصة تلك التي تؤثر على قدرتها على الاستقلالية، ولا يغفل هذا العمل متابعة قضايا العنف ضد النساء بكافة أشكاله، سواء العنف الأسري أو التحرش في الأماكن العامة.
وتحقيق هذه الأهداف تتطلب جهوداً مشتركة من مؤسسات المجتمع المدني والمجلس التشريعي، إلى جانب إشراك الرجال في المشاريع والمبادرات، ليكونوا جزءاً من الحل، فالتعاون بين الجميع يهدف إلى بناء الأسرة والمجتمع والدولة على أسس متينة وأكثر عدالة.